تكبير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية. حكومة مصر ستنفق المليارات لشراء السلام الاجتماعي
قال وزير المالية المصري إن الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي ليس سوى "جزء من الحل" للمشاكل التي تعانيها البلاد، وإنه سيتعين على الحكومة المؤقتة الجديدة وضع خطة للبدء في إصلاح الاقتصاد
وأوضح الوزير أحمد جلال في بيان أصدرته الوزارة: "نحتاج لوقت لقراءة ودراسة القضايا والملفات على أرض الواقع للخروج بقرارات سليمة ومدروسة تمهد الطريق وتبني المستقبل للحكومات المقبلة."
إلى ذلك، تواجه الحكومة المصرية الجديدة المدعومة من الجيش ضغوطاً كبيرة لإصلاح حالة الفوضى في الأوضاع المالية للبلاد، لكن من المرجح أن تنفق المليارات على أمل رفع مستويات المعيشة وإبعاد المحتجين عن الشوارع.
ويشكّل عجز الموازنة الذي ارتفع إلى نحو 3.2 مليار دولار شهرياً متأثراً بضعف الإيرادات الضريبية والهدر في نظام دعم المنتجات البترولية والغذاء أكبر تهديد للاستقرار الاقتصادي في أعقاب الثورة المصرية عام 2011.
لكن الحكومة المؤقتة التي اختير أفرادها هذا الأسبوع بعد أن أعلن الجيش عزل الرئيس محمد مرسي من المرجح أن تتجنب الإصلاحات الخطرة سياسياً في الموازنة مثل خفض الدعم الذي يعتمد عليه ملايين الفقراء في مصر.
وستحاول الحكومة التي تضم العديد من الخبراء بدلاً من ذلك شراء السلام الاجتماعي بمليارات الدولارات من المساعدات الخارجية التي عرضتها دول خليجية عربية.
تحسين إمدادات الغذاء والوقود وخفض البطالةوقال فاروق سوسة، كبير الاقتصاديين المختصين بالشرق الأوسط لدى سيتي جروب، إن الإصلاحات الاقتصادية واتفاق قرض صندوق النقد الدولي الذي طال انتظاره من المتوقع أن تؤجل لما بعد الانتخابات التي تأمل مصر إجراءها خلال ستة أشهر.
وتوقع أن تنفق الحكومة الجديدة بكثافة في محاولة لتحسين إمدادات الغذاء والوقود وخفض البطالة والحد من الجريمة عن طريق رفع أداء الشرطة.
وكان فشل مرسي في هذه المجالات قد أثار سخط الجماهير وساعد في إسقاط حكومة جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها والتي كانت تربطها علاقات شائكة مع الغرب وأغلب الدول العربية.
وقال سوسة: "ليست مهمة الحكومة المؤقتة أن تنفذ إصلاحات صعبة. بل أن تدير الأزمة وتحافظ على علاقات مصر مع المجتمع الدولي."
ويمكن أن تنجح هذه الاستراتيجية إذا انحسرت الاضطرابات الاجتماعية بالدرجة التي تسمح لرجال الأعمال باستئناف الاستثمار وإعادة الأموال التي أخرجوها من البلاد خلال فترة الفوضى في ظل حكومة مرسي.
استثمارات آل ساويرسوقال الملياردير المصري نجيب ساويرس، المعارض لمرسي، بالفعل إن أسرته "ستستثمر في مصر أكثر من أي وقت مضى".
وإذا تحققت مثل هذه الوعود فقد يبدأ الاقتصاد المصري في النمو والخروج من أزمة الموازنة. ونما الناتج المحلي الإجمالي 2.2% في الربع الأول، وهو معدل أقل بكثير من المطلوب لحل المشكلة، ناهيك عن المساعدة في التخفيف من التوترات الاجتماعية عن طريق خلق فرص عمل في دولة ذات معدل نمو سكاني كبير.
ويقول الاقتصاديون إن الناتج المحلي الاجمالي يجب أن ينمو نحو 6% سنوياً لاستيعاب المصريين الباحثين عن فرص عمل. وكان الاقتصاد ينمو 7% على مدى عدة أعوام قبل الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم حسني مبارك في فبراير/شباط 2011 لكن منذ ذلك الحين تراجعت بشدة إيرادات السياحة وتوقفت الاستثمارات الاجنبية.
وإذا فشلت استراتيجية دعم النمو فستواجه الحكومة المنتخبة التالية أزمة أكثر عمقاً، وهو ما سيضطرها لاتخاذ قرارات غير مقبولة شعبياً في وقت مبكر.
فوضى اقتصاديةوقال سيد هيرش، الاقتصادي لدى شركة فولتيرا بارتنرز ومقرها لندن: "مبعث القلق هو أنه عندما تتشكل حكومة أكثر استقراراً فسترث فوضى اقتصادية أكبر من التي شهدتها حكومة مرسي".
وتفيد أحدث البيانات بأن أزمة الموازنة المصرية ساءت أسرع من المتوقع قبل بضعة أشهر. وتشير بيانات وزارة المالية الصادرة في يونيو إلى أن العجز تضاعف في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2013 عن مستواه قبل عام ليبلغ 113.4 مليار جنيه مصري.
ويعادل ذلك نحو 15% من الناتج المحلي الاجمالي وهو مستوى بلغته اليونان في ذروة أزمة ديون منطقة اليورو.
وتعهدت السعودية والإمارات والكويت بتقديم 12 مليار دولار لمصر، لكن ذلك لن يغطي سوى عجز بضعة أشهر، وأغلب المساعدات على شكل قروض ما يعني زيادة عبء الديون.
ولأن استقرار مصر أمر حيوي لدول الخليج يمكن للقاهرة أن تتطلع لمزيد من المساعدات. فقد أنفقت قطر وهي واحدة من حكومات قليلة كانت تربطها صلة وثيقة بحكومة الإخوان المسلمين نحو 4% من ناتجها المحلي الإجمالي لمساعدة مصر قبل سقوط مرسي.
ويمكن أن تحصل القاهرة على 40 ملياراً أخرى إذا قررت السعودية والإمارات والكويت أن تتبع خطى قطر بعد أن سقط مرسي، لكن سرعة التدهور المالي في مصر تشير إلى أنه قد يخرج عن السيطرة حتى إذا توافرت مساعدات ضخمة.
وفي العام الماضي توقعت الحكومة عجزاً قدره 135 مليار جنيه في السنة المالية التي تنتهي في يونيو 2013 وبنهاية مايو بلغ العجز الفعلي 202.9 مليار جنيه ولم يدرج عجز شهر يونيو بعد.
وجزء محدود فقط من الدين المصري دين خارجي لذا من المرجح أن تنجو البلاد من أزمة في ميزان المدفوعات. لكن عبء تمويل الدين الحكومي ذاتياً ربما يبلغ مستويات تشكل خطرا على القطاع المصرفي.
وستتعرض الحكومة الجديدة لضغوط كبيرة لوقف هذا النزيف. لكن أغلب الحلول الممكنة ستتسم بمخاطر سياسية. فخفض الدعم على سبيل المثال سيرفع الأسعار وقد يحتج المستهلكون الغاضبون بالنزول في مظاهرات.
وسيعقد ذلك الفترة الانتقالية المتوقع بالفعل أن تكون صعبة حتى تعود البلاد إلى حكم مدني لذلك ستؤجل الحكومة القرارات الصعبة